التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصة يابانية عميقة المعاني

قصة يابانية عميقة المعاني

في عمق روحي تراءت لي رؤية ،

 قوامها نار حمراء تتهاوى على جبال حمراء بفعل وريقات الشجر الخريفية ، وفي حقيقة الأمر إنني رأيتها في واد ، كان هذا الوادي عميقًا ، شمخت الجبال سامقة على ضفتي النهر ، ولم يكن بمقدروي رؤية السماء في الأعالي ، ما لم أتطلع عاليًا وبشكل مستقيم ، كانت السماء لا تزال زرقاء ولكن الغسق كان يوشيها.

صمت ألوان الخريف :

كسا الوشي نفسه أحجار الوادي البيضاء ، ترى هل ملأ صمت ألوان الخريف ، في كل مكان حولي جسمي فجعلني أحس بالغسق على نحو مبكر ؟ تدفق نهر الوادي متخذا لونا نيليا قاتما ، وعندما دهشت عيناي لعدم انعكاس أوراق شجر الخريف في لون النهر العميق ، لاحظت النار وهي تنحدر في الماء .


الرؤية والسفر :

لم يبد أن النار تلوح كما لو كانت تمطر ، أو أن ترابا ناريا يتهاوى ، وكل ما هنالك أنها تألقت فوق الماء ولكنها بالتأكيد كانت تتهاوى وسقطت جزيئاتها النارية في الماء النيلي واختفت ، ولم أستطع رؤية النار وهي تسقط أمام الجبال ، بسبب الوريقات الحمراء على الأشجار الجبلية ، ولذا فقد تطلعت عاليا للتدقيق في السماء فوق الجبال .
ورأيت الجزيئات النارية ، وهي تتهاوى بمعدل مدهش ، وربما لأن الجزيئات النارية كانت تتحرك ، فقد بدا شريط السماء الضيق أقرب إلى نهر يتدفق بين الضفتين ، وقد شكلته الأماد الجبلية … أرخى الليل سدوله ، وكانت هذه هي الرؤية التي تراءت لي ، عندما غفوت في قطار سريع يشق طريقه إلى كيوتو .

طفلة جميلة :

كنت في طريقي إلى فندق في كيوتو لرؤية إحدى فتاتين ظلتا في ذاكرتي ، طوال خمسة عشر عامًا ، أو ستة عشر عامًا ، منذ كنت في المستشفى لإجراء عملية حصاة صفراوية ، كان إحداهما وليدة رأت الدنيا من دون أنبوب لنقل الصفراء ، ولما كانت مثل هذه الطفلة لن يقدر لها أن تحيا بغير هذا الأنبوب إلا قرابة عام واحد ، فقد أجريت لها جراحة لتوصيل كبدها بالحويصلة الصفراوية ، عن طريق أنبوب صناعي ، وقد دنوب من أمها ، وهي تقف في القاعة ، محتضنة وليدتها وحادثتها ، وأنا أتطلع إلى الوليدة : كل شيء على ما يرام ، يا لها من طفلة جميلة !

الأطفال داخل المستشفى :

قالت أمها في هدوء : شكرا لك ، يقول الطبيب أنها لن تعيش إلى ما يتجاوز اليوم أو الغد ، ولذا فأنني في انتظار من يقلنا إلى الدار ، أغفت الوليدة في سلام ، وقد انفتح الكيمونو المزخرف بصور زهور الكامليا الذي ترتديه برهافة عن صدرها ، ربما بسبب الأربطة المتبقية من الجراحة ، صدرت ملاحظتي التي لم يواكبها التوفيق من المشاعر المتراخية التي تشيع بين المرضى في المستشفى حيال بعضهم البعض .
ولكن كان هناك الكثير من الأطفال الذين أقبلوا على هذا المستشفى لإجراء عمليات القلب ، وقبيل إجراءهم جراحتهم ، فإنهم يمرحون في القاعات ، ويلعبون في المصعد ، هابطين به ، وغالبًا ما كنت أحادث هؤلاء الأطفال .

طفلة المصعد الغاضبة :

كانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والسابعة أو الثامنة من العمر ، فمن الأفضل معالجة ضرر خلقي بينما الطفل لايزال صغيرًا ، وإذا لم يقم المرء بذلك ، فإن الطفل قد يموت صغيرًا ، وقد لفتت طفلة من هؤلاء الأطفال انتباهي بصفة خاصة ، وعندما كنت أمضي إلى المصعد ، عادة ما كانت هذه الطفلة هناك ، وعلى الدوام كان يبدو عليها الضيق ، وتقعد في ركن المصعد وسط أقدام الكبار ، وتتألق عيناها المتوترتان ويتكور في فمها الموحي بالعناد ، وعندما سألت الممرضة عنها .
قالت ان هذه الطفلة تستخدم المصعد ساعتين أو ثلاث ساعات يوميا ، وحتى عندما تجلس على الأريكة في القاعة ، فان التعبير الغاضب نفسه يرتسم على محياها ، وعلى الرغم من أنني كنت أحدثها ، الا أن عينيها لم تتغير قط ، قلت للمرضة : من المؤكد أن الطفلة ستتحسن حالتها ؟! ولم أرى الطفلة بعد ذلك !

الدار والموت :

سألت الممرضة : هل أجريت لها عملية جراحه ، أليس كذلك ؟كيف كانت النتيجة ؟ أجابت : لقد عادت إلى دارها ، من دون اجراء جراحة ، فقد رأت في الفراش المجاور لفراشها طفل يموت ، ولذا قالت : لن أعود إلى هنا ، سوف أعود للدار ، ولم تصغ لأحد … قلت : احم احم ، لكن ألن تموت الصغيرة ؟

موسيقى تعزف :

كنت الآن في طريقي إلى كيوتو لرؤية الفتاة ، التي أصبحت الآن في ريعان شبابها ، لدى سماعي صوت المطر ، وهو يلطم نافذة القطار ، استيقظت من حالة شبه الحلم ، التي كنت في غمارها ، تبددت الرؤية وأدركت أن المطر مضي يلطم النافذة ، عندما بدأت أغفو ، ولكنه بدا وكأنه حدته قد اشتدت مع قيام الريح بدفع القطرات بقوة نحو الزجاج ، كان هناك قطرات انتقلت من طرف النافذة إلى الطرف المقابل .
توقفت للحظة ثم تحركت ، كان بمقدوري أن أرى إيقاع مع تحرك مجموعة القطرات ، بحيث تسيق مجموعة أخرى ، ومع سقوط مجموعة أكثر ارتفاعًا إلى مادون مجموعة منخفضة ، أو مع تدفقها جميعًا معاً ، راسمه خطا واحدًا عبر النافذة ، كان مقدوري سماع موسيقى تعزف … كانت رؤيتي للنار تتهاوى على الجبال الخريفية رؤية مجردة من الصوت كلية ، ولكنني تصورت ان موسيقي القطرات التي تلطم الزجاج وتتدفق على امتداده ، هي التي أصبحت رؤيتي للنار المتهاوية .

عارضة أزياء :

وكنت قد دعيت من قبل تاجر لحضور عرض للكيمونو بمناسبة العام الجديد ، سيقام بعد يومين من الآن في إحدى القاعات بكيوتو ، وكان اسم أحد العارضات هو بيبو ريتسوكو ، ولم أكن قد نسيت اسم تلك الطفلة الصغيرة ، ولكنني لم أدرك أنها أصبحت عارضة أزياء ، وفي هذه المرة كنت أمضي إلى كيوتو لأرى ريستوكو بأكثر مما مضى اليها لمشاهدة أشجار القيقب .
في البهو :
مضى المطر ينهل من السماء في اليوم التالي ، لذا عكفت على مشاهدة التلفزيون في البهو في الأصيل ، بدا البهو أقرب إلى قاعة من قاعات حفلات الزفاف ، وكانت جماعتان أو ثلاث جماعات من المدعوين إلى حفل الزفاف تقف على أرجائها ، ومرت بها كذلك عرائس ارتدين زي عرسهن بكامل أبهته ، وبين الحين والآخر كنت أتطلع ورائي لأرى زوجين تلتقط لهما الصور بعد مراسم الاحتفال .

حفل زفاف :

حياني التاجر الذي دعاني إلى هناك ، وسألته عما إذا كانت بيبو ريستوكو ، في الفندق بالفعل ، فانتحى بي جانبا في التو ، فقد كانت فتاة شابة ترمق باهتمام عروسًا وعريسًا تلتقط صورتهما أمام نافذة ضببها المطر ، وكانت تلك هي ريستوكو وبدت شفتاها متكورتين من جراء ضغط عصبي عليهما ، تراجعت وترددت ، أردت أن أحادثها ، أن أسأل هذه الفتاة الفارعة الجميلة عما إذا كانت تتذكرني ؟ همس التاجر في أذني : كل هذا لأننا سنجعل تلك الفتاة ترتدي ثوب الزفاف غدًا .


نبذة عن ياسوناري كاواباتا:

قصة من روائع الأدب الياباني ،مقدمة من قصص نسج، للأديب الياباني ياسوناري كاواباتا الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعيه في جامعة طوكيو الإمبراطورية ، ففيها نشر قصته القصيرة الأولى مشهد من جلسة أرواح ، بدأ كواباتا بلفت الانتباه إليه ، بعد تخرجه من الكلية في مارس عام 1924م بفترة قصيرة كتب كواباتا أكثر من مئة وأربعين قصة قصيرة ، كان يطلق عليها قصص كف اليد لقصرها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة قصيرة مترجمة من اليابانية

قصة قصيرة مترجمة من اليابانية مصدر الصورة ما إن وصلت المرأة من الوطن ، لتزف إلى الرجل ، حتى نقل إلى مركز الأرصاد الجوية ، في سلسلة جبال هسينج آن ، بمنشوريا ، وتمثل ما أدهش المرأة أكثر من أي شيء آخر ، من أن ملء صفيحة زيت من الماء يكلف سبعة سينات .. ماء قذر . نبذة عن المؤلف : قصة عالمية ، للأديب الياباني والروائي ياسوناري كاواباتا ، ولد كاواباتا في أوساكا – اليابان في 14 يونيو عام 1899م ، تخرج من جامعة طوكيو الإمبراطورية ، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م ، من أشهر إبداعاته : رواية الصورة ، رواية جلسة أرواح ، رواية مظلة ، إلخ.. توفي كواباتا في 16 ابريل عام 1972م ، وهو الأديب الياباني الذي ترجم له أكبر عدد من الأعمال الياباني إلى اللغة العربية . ومختلط بما لا يدري المرء ، وساورها الشعور بالغثيان ، لمجرد التفكير في أن عليها استخدام هذا الماء في المضمضة ، أو غسل الأرز ، وفي غضون ستة أشهر ، انقلب لون الملاءات والملابس الداخلية جميعها ، إلى الصفرة !

قصة من الادب اللاتيني

قصة من الادب اللاتيني للكاتبة لوكريسيا مالدونادو . قصة من الادب اللاتيني قصص نسج يظهر كل شيء فجأة بوضوح وفي الوقت نفسه يوجد الكثير من الظل في كل الأنحاء ، وفجأة كما لو أن الحزن قد انتهى ومع ذلك تتألم كثيرًا لأنك لا تستطيع أن تقف على قدميك ، وفجأة ينسى الواحد كل شيء . ولكن تأتي تلك الوجوه الحزينة لأطفال يبكون وهم يتشبثون بالبنطال :”لا ترحل بابا” ، ولكنني كنت أبًا لأحدهم ذات مرة فمتى وكيف وأين ومع من ،وفجأة ظهر شخص وكأنه مصاب بالهلوسة وكان ذا عينين شاردتين . وبمجرد سماعه يتحدث بلهجة غريبة غير اللهجة الأصلية ؛ لم يستطع أحد أن يفهم تلك اللهجة اللعينة التي يتحدث بها ، وفجأة يعرف أن لا أحد ينتظرنا في ذلك المكان ، ومع ذلك استمر في بحثه بعينيه بانزعاج وسط الظلال في الوجوه المألوفة القديمة ،والذي لم نتعرف عليه وسط ذلك الحشد .

قصة رواية 1984م جورج أورويل

حينما يكون هناك عالم مليء بالزيف والتلاعب بالبشر في وقت لا تهدأ فيه شظايا الحرب القاتلة ؛ إذن فإنك أمام عالم لا يعرف الرحمة بل إنه ارتبط بالظلم والطغيان ونظامًا سياسيًا فاسدًا ، إنه العالم الذي ورد في رواية “1984”. نبذة عن مؤلف الرواية : الكاتب هو “جورج أورويل” وهو الاسم المستعار الذي اشتهر به ، أما اسمه الحقيقي فهو “إريك آرثر بلير” ، الذي وُلد عام 1903م في بريطانيا ، وقد عُرف كصحافي وكاتب روائي ، توفي عام 1950م ، ومن أبرز أعماله رواية “1984” والتي تم اختيار اسمها لجذب الانتباه بعد تغييره من “الرجل الأخير في أوروبا”. حول الرواية : لقد وقعت أحداث الرواية في أوشينا وهي واحدة من الثلاثة دول العظمى التي قامت باقتسام العالم بعد نشوب حرب عالمية قاسية ، وتأتي معظم أحداث الحبكة الدرامية في لندن ، وتمتلئ المدينة بملصقات تتبع رئيس الحزب حيث كُتب عليها “الأخ الأكبر يراقبك ” ، وقد انقسم شعب أوشينا إلى ثلاث طبقات أساسية وهم : الطبقة العليا (الحزب الحاكم وهم أقلية 2%) ، والطبقة الوسطى (الحزب الخارجي 13%) ، والطبقة الدنيا (الطبقة الكادحة 85%) ، وقد قام الحزب الحاكم بالسيطرة على المواطنين من خلال أربع...